إدارة الشئون الفنية
حسن الخلق وثمرته

حسن الخلق وثمرته

03 يناير 2020

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 8 من جمادى الأولى 1441هـ - الموافق 3 / 1 / 2020م

حُسْنُ الْخُلُقِ وَثَمَرَاتُهُ

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:

لَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى وَأَمَرَ الْأُمَمَ قَبْلَنَا بِعِبَادَةٍ تُقَرِّبُ الْعَبْدَ مِنْ رَبِّهِ وَإِلَى خَلْقِهِ، بِهَا يَثْقُلُ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهَا لَمِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ، وَهِيَ حُسْنُ الْخُلُقِ؛ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ« [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ [.

وَإِنَّ لِلْأَخْلَاقِ مَنْزِلَـتَهَا الْعَلِيَّةَ الشَّرِيفَةَ، وَشَجَرَتَهَا المُثْمِرَةَ المُنِيفَةَ؛ إِذْ لَا تَكْتَمِلُ عَقِيدَةٌ وَلَا تَسْتَقِرُّ شَرِيعَةٌ مَا لَمْ تُثْمِرْ أَخْلَاقًا حَيَّةً تُسْعِدُ النَّاسَ فِي حَيَاتِهِمْ، وَتَكُونُ ثَمَرَةً نَافِعَةً لَهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَتَبْنِي مُجْتَمَعًا رَاقِيًا، دَعَائِمُهُ العَقِيدَةُ الصَّحِيحَةُ الرَّاشِدَةُ، وَالشَّرِيعَةُ الكَامِلَةُ الخَالِدَةُ، وَالْآدَابُ الأَصِيلَةُ المَاجِدَةُ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ غَايَاتِ الْبِعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَمِنْ أَجَلِّ أَهْدَافِ الرِّسَالَةِ المُحَمَّدِيَّةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَـرِّ].

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ حُسْنِ الْخُلُقِ: مَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: «وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ« [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، وَقَدْ أَمَرَ بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَمُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِـقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ« [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ شَاكِرٍ].

أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ تَسْتَعْبِدْ قُلُوبَهُمُ         فَطَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ

وَفِي مَعْنَى حُسْنِ الْخُلُقِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ: (هُوَ: طَلَاقَةُ الْوَجْهِ، وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ، وَكَفُّ الْأَذَى)؛ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ  ( [الأعراف:199]؛ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُالرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (هَذِهِ الْآيَةُ جَامِعَةٌ لِحُسْنِ الْخُلُقِ مَعَ النَّاسِ، وَمَا يَنْبَغِي فِي مُعَامَلَتِهِمْ). فَحُسْنُ الْخُلُقِ يَدُورُ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ: الْعَفْوُ: وَهُوَ قَبُولُ الْعُذْرِ، وَالْمُسَامَحَةُ، وَالتَّغَافُلُ. وَالْأَمْرُ بِالْعُرْفِ [أَيْ: بِالْمَعْرُوفِ]، وَمِنْهُ: الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ؛ قَالَ تَعَالَى: ) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا  ( [الإسراء:53]. وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْجَاهِلِينَ: عَدَمُ مُقَابَلَتِهِمْ بِالْمِثْلِ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا  ( [الفرقان: 63].

عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ لِحُسْنِ الْخُلُقِ فَضَائِلَ عَدِيدَةً، وَثَمَرَاتٍ كَثِيرَةً، مِنْهَا:

أَنَّهُ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ لِلْعَبْدِ، بَلْ أَحَبُّ عِبَادِ اللهِ إِلَى اللهِ صَاحِبُ الْخُلُقِ الْحَسَنِ؛ فَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا« [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ].

وَكَذَلِكَ مِنْهَا: أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَبْلُغُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعَتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ« [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْمُنْذِرِيُّ[.

وَمِنَ الثَّمَرَاتِ الْعَظِيمَةِ لِحُسْنِ الْخُلُقِ: حُصُولُ الْبَرَكَةِ فِي الدِّيَارِ وَالْأَعْمَارِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: »إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ« [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

وَبِحُسْنِ الْخُلُقِ يَكْمُلُ إِيمَانُ الْمُسْلِمِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» ] رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ[.

عِبَادَ اللهِ:

أَلَا وَإِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، بَلْ هُوَ أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؛ فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ [أَيْ: مَا حَوْلَهَا] لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ» ] رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]،  وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: »تَقْوَى اللهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ« [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْمُنْذِرِيُّ [.

وَمِنْ ثَمَرَاتِ حُسْنِ الْخُلُقِ: أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْقُرْبِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّـكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ شَاكِرٍ[.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَهُدَاهُ؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ وَهَدَاهُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

لَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلَ النَّاسِ أَخْلَاقًا؛ وَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: )وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ   ( [القلم:4].

عَاشَ حَيَاتَهُ كُلَّهَا مُتَحَلِّيًا بِكُلِّ خُلُقٍ كَرِيمٍ مُبْتَعِدًا عَنْ كُلِّ وَصْفٍ ذَمِيمٍ، وَمَعَ عُلُوِّ شَأْنِهِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى وَرِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ كَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ تَوَاضُعًا؛ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ مُتَوَاضِعًا: »ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ« [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ t] وَكَانَ أَكْرَمَ الْخَلْقِ نَفْسًا فَمَا رَدَّ سَائِلًا؛ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ[ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (مَا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لَا) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، وَكَانَ مِنْ أَطْلَقِهِمْ وَجْهًا؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. وَثَبَتَ فِي الأَحَادِيثِ الصَّحِيحِةِ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ وَفَاءً، وَأَرْحَمَهُمْ قَلْبًا؛ يَتَجَوَّزُ فِي صِلَاتِهِ إِذَا سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ كَرَاهَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْيَنَ النَّاسِ طَبْعًا، إِذَا دَخَلَ إِلَى بَيْتِهِ اشْتَغَلَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَهُمْ صَبْرًا، خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ وَالْحَجَرُ عَلَى بَطْنِهِ مِنَ الْجُوعِ فَمَا اشْتَـكَى، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَعَ النَّاسِ عَفْوًا؛ وَأَوْفَرَهُمْ حِلْمًا، آذَاهُ قَوْمُهُ فَسَأَلَهُ مَلَكُ الْجِبَالِ أَنْ يُطْبِقَ عَلَيْهِمْ جَبَلَيْنِ لِمَا فَعَلُوا بِهِ فَأَبَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا ضَرَبَ بِيَدِهِ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ، وَلَا خَادِمًا لَهُ قَطُّ، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْـئًا قَطُّ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا خُيِّرَ بيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْـتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ، تَصِفُهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَـتَقُولُ: (إِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ القُرْآنَ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ[، وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، وَقَدْ وَصَفَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَحْسَنِ وَصْفٍ وَأَجْمَلِهِ، وَنَعَتَهُ بِأَتَمِّ نَعْتٍ وَأَكْمَلِهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: )وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ   ( [القلم:4].

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا عَلَى سُنَّتِهِ، وَأَمِتْنَا عَلَى مِلَّتِهِ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ، وَاجْعَلِ الْخِزْيَ وَالْعَارَ، وَالْهَلَاكَ وَالْبَوَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ هَدْيَ شَرِيعَتِهِ، وَاسْتَمَاتَ فِي بُغْضِهِ وَمُخَالَفَتِهِ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الأَخْلَاقِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَأَلْبِسْهُمَا لِبَاسَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني